اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الوساطة احدى أسباب الفساد الإداري


لا يشك الإداري الناجح في الوساطة بانها هي احد أهم أسباب الفساد الإداري الذي ينخر بجسد الدولة العراقية في معظم مفاصلها وأجهزتها ودوائرها ، والحقيقة ان هذا الأمر لا يقتصر على العراق وحده بل يمتد ليشمل أقطار العالم الثالث كلها ، وأسوق هنا مثالاً على استفحالها ، إذ كانت إحدى الطالبات الذكيات من طالباتي في جامعة من الجامعات العربية ترغب في إجراء بحث تقارن فيه بين كفاية طلبة فروع المحاسبة في تلك الدولة لتقف على الأكفأ من بينها ، وكان احد أسئلتها يتضمن الكشف عن المفاضلة بين خريجي الفروع التي تدرس المواضيع المحاسبية باللغة العربية والفروع التي تدرسها باللغة الإنكليزية من حيث تفضيل دوائر الدولة لأحدهما على الآخر ، فكان جواب الطلبة جميعهم بأن التعيين لا علاقة له بهذا الأمر ، وإنما يعتمد على الوساطة ، واتفق جميع الذين شاركوا في الاستبيان على هذه الإجابة بنسبة 100% .

أما الوساطة في بلدنا ، فكانت في العهد الملكي تتعكز على الطابع العشائري وأصحاب النفوذ المقربين من العائلة المالكة أو المحسوبين عليها ، وغالباً ما كان فقراء الناس يحاولون الحصول على مبتغاهم عن طريق الوساطة التي يقوم بها هؤلاء ، وكان أصحاب النفوذ في الوقت نفسه يتخذون من فقراء الناس وسائط لهم لدعمهم في الانتخابات الزائفة أو في كيل المديح والتسبيح بعظمة هذا المتنفذ أو ذاك المتطلع للصعود على الأكتاف للوصول إلى مواقع السلطة والنفوذ .

وعندما انقلبت الأمور وثار الجيش والشعب في 14/تموز /1958 ، انحسرت هذه الظاهرة ولم يعد للوساطة نفوذ مثلما كان, لأن تطلعات القيادة والشعب لتحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه لتامين العدالة والمساواة قلل من حضور الوساطة في التعامل الإداري ، وذلك لان الثورة وفرت فرص التشغيل والدراسة والعمل والعيش لعموم أبناء الشعب ، فلم يعد للناس حاجة للوساطة بعد ذلك بأي صورة كانت .

وقبل الاسترسال في الموضوع علينا ان نشير إلى قضية مهمة جداً وهي ان الوساطة لا يمكن حمل معانيها على الجوانب السيئة فقط وانما أرى أنها ضرورية في أحيان كثيرة ، ولا ضرر فيها ولا سوء ولا سيما إذا كانت غايتها نبيلة مثل إصلاح ذات البين أو لتوضيح الغموض في بعض المسائل الخلافية أو لإعادة حق مسلوب أو إعطاء كل ذي حق حقه .

ولكن مع الاسف ان اغلب الوساطات في بلدنا كانت عكس ذلك فهي تهدف الى تغليب المصلحة الخاصة بدون وجه حق, وغالبًا ما تناصر القريب او المعارف الذين لا يستحقون وليسوا ذوي كفاية لاستلام هذه المسؤولية او تلك او الاستحواذ على المناصب من اجل المغانم والمكاسب , كما وانها غالبًا ما تكون لوصول اشخاص الى غايات او اهداف هم ليسوا اهلاً او اكفاء لها . ونجدها تتخذ إبان  حكم حزب البعث الطابع الحزبي, والاقليمي الضيق وكانت وسيلة لتبوء الكثير لمناصب او مراتب هم ليسوا اهلاً لها, كما كانت وسيلة للاستحواذ على الكثير مما لا يستحقون وبعد سقوط النظام السابق توقعنا خيرًا بانهاء هذه الظاهرة المفسدة للامور بصورة خطيرة, لاحظناها تعود (بعد سقوطه) شيئًا فشيئًا وبلبوس ومظاهر مختلفة لتستفحل مرة اخرى على اداء اغلب اجهزة الدولة وتعود لتظهر بوجهها القمى واحدة من اهم اسباب الفساد الاداري المستشري في بلدنا مع الاسف, فيا ايها المسؤولون في بلدنا العزيز انبذوا الوساطة التي تبغي اعطاء حق لمن لا يستحق واعملوا على ان تكون الوساطة احدى وسائل اعطاء الحق لمن يستحقه واداة لانهاء الفساد الاداري وليس الى استشرافه.

اللهم وفق الجميع في التوسط لما هو فيه خير الجميع ورقي عراقنا العظيم

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا