اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

عواء الكلاب

 

لم تكن متوسطة الحلة للبنين التي تقع وسط مدينتها والتي قضيت ثلاث سنوات فيها مدرسة متوسطة فحسب بل هي مؤسسة علمية بكل تفاصيلها، واتذكر مجموعة كبيرة من طلبتها حصلوا على أفضل الشهادات الجامعية (أولية أو عليا) وهناك الكثير منهم يشغل الآن وظائف مهمة ومتميزة ومن بقي منهم حياً يمارس أعمال التجارة أو غيرها بتميز ولا أنسى أن اذكر منهم من هو خارج العراق تدريسياً في جامعات عالمية مرموقة أو مراكز أبحاث عالية الأهمية، وما أرغب أن أذكره في مقالتي هذه هم تدريسيوها الذين عملوا فيها في مطلع الخمسينيات ومنهم -رحمه الله- عبد الرزاق الماشطة الذي كان يفتتح المحاضرة بآرائه السياسية الجريئة، وعبد الحسين هاتف مدرس التاريخ الأنيق المتميز وكاظم الطائي مدرس اللغة العربية الذي كنا نتهامس بيننا -طلاب الشعبة- بأنه مراقب من السلطة فضلاً عن أستاذ جامعة بغداد الكبير حالياً الدكتور قيس النوري الذي كان يقدم محاضراته بمقدمة عن المثل والأخلاق (وأمر آخر سافرده بمقالة لاحقاً) ولا شك أن هناك الكثير غيرهم من إخواننا المصريين الذين عملوا في تلك الحقبة من الزمن كالشاعر سعد درويش ورشدي وأنور وغيرهم ومما لا شك فيه أن الكثير منهم سبقوا ما ذكرت من التدريسيين في العمل بهذه المدرسة المتوسطة التي كان عطاؤها ثراً غنياً للعراق وشعبه على نحو عام.

 أعود عزيزي القارئ إلى عنوان مقالتي هذه لأوضح لحضرتك ما علاقة مقدمتها بهدفها ، لقد كان من بين هؤلاء المدرسين العظام مدرس آخر لا أتذكر اسمه بل اتذكر أنه غالباً يسمى أبا شذى كان يدرس علم الهندسة وكان هذا المدرس العظيم يهوى الشعر وقراءته والأدب وإلقاءه، لا أتذكر محاضراته العلمية والهندسية ولكن أتذكر مقدمات محاضراته الأدبية التي كتبت عنها سابقا مقالة “استضعفوك فوصفوك” وغيرها ولكن ما أتذكره من جملة قراءاته علينا من مختارات الشعراء أمثال جرير والفرزدق وأبي العلاء المعري وأتذكر بيت الشعر الذي قرأه علينا مراراً لأحد الشعراء والذي نصه:

 

لو كلُّ كلبٍ عوا القمتُهُ حجراً                          لأصبحَ الصخرُ مثقالاً بدينارِ

 

كم هو عظيم هذا الشاعر وكم هو بليغ ، وأنا اعتقد -والله أعلم- أن هذا الشاعر قد هدده كلب واحد فقط ذكره في هذا البيت من الشعر البليغ  ففضل عدم إلقاء ذلك الكلب بحجر حتى لا يصبح مثقال الحجر بدينار، وربما يكون قد تحاشى( رحمه الله) أن  يذكر أنه لو ألقى الحجارة على كل الكلاب التي تعوي لتطلب الأمر هدم المنازل والبيوت والأبنية  الشامخة والشاهقة  لترتاح الناس عند ذلك من العواء بعد أن يحققوا ما يصبون إليه بإنهاء الكلاب من العواء لا أكثر ولا أقل.

إن ما تعرض له العراق وشعبه المسكين الفقير من عواء الكلاب من خارج العراق لا تسكته كل ما في العراق من حجارة في الأرض وما شيد فيها من بناء ولو استمرينا في إلقاء الحجارة على هؤلاء الكلاب فكم سيصبح سعر (دبل الطابوق) أنا متأكد أن سعر الطابوق سيجعلك تفكر ببناء -شقة أو غرفة في السراب وليس في الحقيقة.

وإذا كانت هذه الحالة ستعمم عمن سبق أن ذكرتهم في مقالي هذا فكيف ستكون عليه الحال لو انشغلنا في إلقاء الحجارة على الكلاب داخل العراق ، أنا واثق أن سعر مثقال الحجر سيكون بمليون دينار وليس ديناراً لأن كلاب هذا الزمان تعوي ليلاً ونهاراً ولا يسكتها إلقاء مليون حجر.    

 

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

  

»

اكتب تعليقا