اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الدراسة المسائية بين المد والجزر

 

عند انشاء جامعة بغداد سنة 1958 وصدور قانونها بعد ثورة 1958 كانت هذه الجامعة عبارة عن تجميع لعدة كليات ومعاهد عالية تابعة لوزارة المعارف وعند قيام الثورة لم تكن فيها اية دراسة مسائية، ولكن هذه الثورة وقيادتها وضعت نصب عينها انصاف المضطهدين في العهد السابق ومنح الفرص امامهم لتحقيق امانيهم في الحصول على الشهادة الجامعية فضلاً عن اتاحة الفرصة للطلبة الفقراء في العمل نهاراً والدراسة مساءاً وفسح المجال لموظفي دوائر الدولة الذين لم تسمح لهم الفرصة في دخول الكليات والمعاهد الجامعية والانضمام الى هذه الدراسة للحصول على الشهادات الجامعية التي ستزيد من معلوماتهم التخصصية وتحسين موقفهم الوظيفي وتفتح امامهم افاقاً رحبة في تحسين الظروف المالية في ضوء احكام قانون الخدمة المدنية والملاك، كل ذلك حصل خلال 1958 وحتى سنة 1962 وتخرج في الدراسة المسائية في هذه الجامعة بعد انخراط الالاف من الطلبة والموظفين والمسؤولين فيها اعداد غفيرة وخاصة في كلية الادارة والاقتصاد (والتي كانت تسمى كلية التجارة والاقتصاد) وكلية القانون (التي كانت تسمى كلية الحقوق) ومثلت هاتان الكليتان رافداً لدوائر الدولة القديمة منها والجديدة بالافراد المؤهلين والمتخصصين اما الطلبة المتفوقون منها والذين حصلوا على بعثة او زمالة او سافر احدهم على نفقته الخاصة للدراسة في الخارج فقد حصلوا على ارقى الشهادات الجامعية من ارقى جامعات العالم المختلفة وعادوا للاشغال وظائف جامعية او ادارية او سياسية هامة ومتخصصة جداً واثبتوا كفاءة عالية جداً، اما من بقي يعمل في جامعات او مؤسسات الدولة التي اوفدوا اليها فقد اثبتوا كفاءة علمية وعملية فائقة التفوق والتميز تشهد لها جميع المحافل العلمية العالمية وارقاها هذا ما كانت عليه الدراسة المسائية وهذه مدخلاتها ومخرجاتها خلال النصف الاول من عقد الستينات ولعل من المهم ان الدراسة المسائية كانت مجانا وكان الطالب لا يدفع خلال سنوات سوى دينار واحد يؤخذ منه لغرض التسجيل واخر يؤخذ لغرض الانشطة الطلابية والرياضية.

وفي السنوات التي تلت انقلاب 8 شباط 1963 استمرت الدراسة المسائية بصورة رتيبة بعد ان وجدت او جمعت في كلية واحدة سميت الكلية الجامعة وباجور سنوية تقدر بعشرين ديناراً واستفادت تلك الكلية من مباني جامعة بغداد ولم تحملها الجامعة شيئاً جراء استخدام تلك الابنية والموجودات سوى نصف اجور الماء والكهرباء وحصلت هذه الكلية على مساعدات من جامعة بغداد ومؤسسة كولنكيان التي ساعدت على انشاء ابنيتها الضخمة التي سميت الجامعة المستنصرية لاحقاً، وبدلاً من استمرار هذه الجامعة حولت الى جامعة حكومية تنفق عليها الدولة من موازنتها واوقفت الدراسة المسائية فيها بعد ان توافرت الاموال للدولة بعد تأميم شركات النفط، وكان قرار ايقاف الدراسة المسائية، ضربة قاصمة للمسيرة العلمية والجامعية في العراق، على الرغم من تبرير ذلك بادعاء ضعف الدراسة المسائية ولا حاجة للجامعات بتقاضي الاجور الدراسية وخزينة الدولة فائضة بالاموال بفضل تأميم النفط وزيادة اسعاره فضلاً عن تبني الدولة في دستورها مبدأ مجانية التعليم. واستمر ايقاف الدراسة المسائية حتى حلول سنوات الحصار وانحسار موارد موازنة الدولة ونزرت تخصيصاتها على الجامعات العراقية ودفعها لتدير امورها بشتى الصور فكان اطلاق الدراسة المسائية الهدف منه توفير موارد مالية لهذه الجامعات وتدريسييها وموظفيها لاستمرار عملها بالحد الادنى على الاقل.

وعند المقارنة بين الدراستين الصباحية والمسائية لم اجد فرقاً لا من حيث المادة العلمية او مستوى الطلبة ولعلي لا ابالغ اذا قلت ان مستوى الطلبة في الدراسة المسائية يفوق مستوى الطلبة في الدراسة الصباحية من عدة جوانب منها الحظور  وسرعة الاستعياب وكتابة المحاضرات فضلاً عن ممارستهم العلمية لتخصصهم.

نعود بالامر الى ما بعد انهيار النظام وخلال السنتين الدراستين الماضيتين والسنة الحالية ونتساءل ماهي مبررات الدعوة لالغاء الدراسة المسائية وما هي مبررات الابقاء عليها؟

فأجيب على كلا السؤالين بالاتي:-

اولاً: ما هي مبررات المطالبين بالغاء الدراسة المسائية:

– ان اكثر ما يسوقه الغاء الدراسة المسائية هو ضعف مستوى الدارسين فيها ونحن لا نوافقهم الرأي وذلك لان فتح الدراسة هي مسألة معقود امرها للجامعات التي ترتأي ضرورتها وانها تستطيع تأمينها بمستوى علمي موافق تماما للدراسة الصباحية كما يثبت الواقع العلمي لسنوات عديدة ماضية كما ذكرت جدارة الدراسة المسائية وجدواها ولا حاجة للتكرار وفي السنوات التي اعقبت انهيار النظام وما رافق ذلك من مظاهر امنية تعرقل لدراسة المسائية فقد قامت اغلب الجامعات والكليات بتقديم ساعات الدراسة المسائية واصبحت في  ساعات الظهر والعصر مما خفف كثيراً من المخاوف بشأن الدراسة المسائية.

ثانياً:   ما هي مبررات المطالبين ببقاء الدراسة المسائية؟

– لا شك ان حجم المطالبين ببقاء الدراسة المسائية مبررات تذكرها بصورة مركزة وكما يلي:

اولاً: ان الدراسة المسائية اثبتت كفاءتها وعلو مستواها بالواقع العلمي وليس بالادعاء.

ثانياً: ان في الدراسة المسائية عاملاً كبيراً لتوفير الدراسة للكثير ممن  لم يحصلوا على التعليم الجامعي وفي ذلك تامين لزيادة تعلم وثقافة افراد كثيرين من  ابناء المجتمع مما له انعكاسات علمية وتربوية على الموارد البشرية للمجتمع.

ثالثاً: ان في الدراسة المسائية عاملاً كبيرا في التخفيف من الضغط على الدراسة الصباحية وساعدت الجامعات في تحقيق النسبة العلمية الهامة في توفير الملاكات العلمية والتي هي عدد الطلبة بـ(عدد التدريسيين).

رابعاً: ان في المدارس المسائية عاملاً اجتماعياً واقتصاديا هاما لكثير من اولياء امور الطلبة ومنها الاتي:

1. توفير فرص الدراسة لكثير من الطالبات في منهن وعدم انتقالهن الى مدن اخرى ولاسباب اجتماعية شتى .

2. توفير الكثير من النفقات من سكن وطعام وانتقال لا تستطيع العوائل الفقيرة توفيرها.

3. تمكين الكثير من الطلبة من الحصول على عمل صباحا والدراسة مساء وفي ذلك تقليل من عبء اولياء الامور من الانفاق على اولادهم وتوفير مورد مادي مناسب لابنائهم.

خامساً: توفر الدراسة المسائية على الرغم من قلة اجورها وزهدها مصدراً مالياً هاماً للجامعات التي تتبناها فضلاً عن توفير مورد اضافي للتدريسيين والموظفين العاملين فيها وكذلك مورد اضافي لاكمال تجهيزاتها وصيانة موجوداتها.

على وفق ما تقدم يبدو السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يمكن ان نقول في الدراسات المسائية هل هي ضرورة ام غير ضرورة؟ ارى ان الاجابة هو ان الدراسة المسائية ضرورة ماسة لبلدنا ومجتمعنا وما دامت هي قائمة في اميركا وروسيا وانكلترا وفرنسا ومصر وسوريا والاردن فلماذا هي لا تمثل ضرورة في العراق؟! وبقاء مصيرها معلقاً ما بين مد  وجزر بين مؤيد ومعارض وبين مطالب بالغائها ومتحمس لبقائها انها في بلدنا وفي ظروفنا الحالية الاقتصادية الاجتماعية والعلمية والتربوية اكثر من ضرورة فلا تبقوها بين مد وجزر ابقوها وكل كلية وجامعة هي ادرى بجدارتها وتحمل مسؤولياتها.

 

 أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا