اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

سترة البالات وترشيد الانفاق

 

استرجعت ذكرياتي وارائي وحفزني على الكتابة برنامج الفضائية العراقية في احدى نشراتها الاخبارية ماقدمته من معلومات عن اسـواق البالات (اللنكات) ورخص اسعارها وجودة انواعها وتنوعها كونها واردة من بلاد اجنبية وتساهم في التخفيف من شدة الغلاء وتساعد الفقراء في تدبير امورهم المعاشية (ياسلام) وطبعا لم يتكلم المذيع عن مساوءها وخطورتها على الصحة فذلك شان اخر، وان تسمح لي عزيزي القارئ ببعض دقائق من وقت حضرتك الثمين لاقص عليك شئ من امور ملابس البالات (اللنكات) ففي اواخر الخمسينات وبداية الستينات سمعت من بعض زملائي الموظفين ان هناك مسؤول حكومي او اكثر مشهوران باناقتهما (شياكتهما) وكان الفضل في ذلك يعود الى انتقائهما جزء كبير من ملابسهما من البالات لانها كانت تحتوي على ملابس اوربية او امريكية وهي مفصلة حسب موديلات قد لاتكون موجودة او معروفة في حينها طبعا في العراق ،كما ان هناك شخصا كان ذائع الصيت في بغداد كلها وما زال بسبب غرابة الملابس التي يرتديها ايضا من البالات وجرئته في ارتدائها ،وفي شتاء عام 1964 حيث كان قارصا قاسيا ،شاهدت احد باعة ملابس البالات يعرض معطفا (بردسور) رائعا في اللون وجودة القماش ومطابقا تماما على المقاس وكان المكان قرب نفق الشورجة ولكننا اختلفنا في السعر حيث اصر البائع على سعره وكان اربعة دنانير واصريت انا على سعري وكان ثلاث دنانير وعندما غادرته ووصلت مقابل بناية البنك المركزي (التي احترقت هذا العام) شعرت بالندم حيث ان سعره كان فعلا اكثر من اربعة دنانير فعدت الى البائع لشراءه ولكن ياحسرتاه فقد تلقفه اخر كان افضل مني في تقدير قيمته وقال لي البائع الم اقل لك انه يساوي اكثر من اربعة دنانير ابلغته اسفي وانصرفت وكانت تلك احدى اخطائي حقا والتي لن انسها طيلة خمسة واربعون عاما تقريبا مضت .

في احد ايام التسعينات رجوت صاحب محل الخياطة الفنان ان يخيط لي سترة من قماش جيد كحلي اللون ان وجده بعد شهرين اعتذر لعدم عثوره على القماش بالمواصفات المطلوبة فصرفت النظر عن ذلك، وفي اواسط التسعينات عندما كنت اسير في وسط البلد في عمان حيث تكون رقابة عمال الامانة معدومة يوم الجمعة فيخرج باعة البالات بضاعتهم على الارصفة، شاهدت احدهم يعرض سترة بالنوع المطلوب، تناولتها وتحققت انها على مقاسي تماما ،سالت البائع ان كانت من البالات المستعملة ام من البالات الستوك (غير المستعملة ولكنها كاسدة) فاكد انها غير مستعملة ، سالته عن السعر قال دينار اردني (ولو قال بعشرين لاشتريتها ايضا) قلت له غالية فضحكنا سوية ودفعت له الدينار وحملتها بكيس وذهبت الى الدار، وهناك سالؤني الاولاد ماذا اشتريت اعلمتهم سترة كحلية اللون لبستها امامهم وسالتهم هل هي جيدة قالوا جدا وكم ثمنها قلت ثلاثون دينارا، قالوا مناسب جدا حسب الموديل والقماش والاسواق اللندنية الشهيرة التي عليها علامتها، ارتحت من ذلك ولكن بعد ساعتين سالتهم مرة اخرى ان كانوا لازالوا على رايهم بجودة السترة وملائمة السعر، فأكدوا ذلك عند ذاك اعلمتهم بسعرها فقط دينار واحد فاندهشوا وضحكوا على ذلك، تكرر الأمر في الجامعة والكلية التي كنت اعمل بها في عمان واندهش الزملاء من رخصها بالرغم من نوعية القماش الجيدة والموديل والمخزن المشهور المجهز لها .

 

كنت ارتدي هذه السترة غالبا عندما يحين موعد محاضراتي في الدراسات الاولية او العليا وفي موضوع تخطيط الموازنات الحكومية ومنها موضوع التخطيط والبرمجة ،الموازنة الذي له قواعد متميزة في ترشيد الانفاق واضرب مثلا  بتلك الستره وشراءها دليلا على ترشيد الانفاق لاني لو اشتريتها من احدى المحلات التي تعرض الملابس الاوربية لكان سعرها سبعون دولار وان كانت محلية لكان سعرها خمسون دولار ولكن اشتريتها بالصوره التي اوضحها لحضرتك عزيزي القارئ فكان سعرها دولار ونصف فقط وقدمت نفس الخدمات والمنافع المرجوة في  الثلاث حالات ولكن فرق السعردليل على ترشيد الانفاق وتوفير الاموال .

يبدو ان التجار والمستهلكين العراقين يجيدون تخطيط موازناتهم التجارية والبيتية وفي زمن الحصار  وما تلاه من ظروف انفلات في الاقتصاد العام والخاص فلذلك انتشرت في زمن الحصار ولا زالت اطارات البالات وثلاجات البالات، ومكيفات البالات ، وطباخات البالات ، ومدافئ البالات، وغيرها الكثير من انواع البالات، ولكن ما يهمني هنا هي ملابس البالات (اللنكات) ففي الوقت الذي يجب ان تمنع الدولة بالات الملابس المستعملة لانها مليئة بالجراثيم والامراض، فاني ادعو الحكومة لفتح الباب على مصراعيه لاستيراد بالات الستوكات لانها جيدة ونظيفة وانيقة وترشد وتوفر الاموال لفقراء العراق ليشترو باسعار مناسبة لمداخيلهم (أو جيوبهم) كما اشار المذيع، ولحين ما تتفجر جيوبهم من كثرة الاموال التي بدات الحكومة تعدها لكل عام في موازنتها الانفجارية فعند ذاك سوف لن تجلب اسواق اللنكات  اي اهتمام  انشاء الله .

 

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا