اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الحجر في أرضه ثقيل

 

في احد الأيام وفي بلد غريب حصل موقف متأزم بين احد الأصدقاء من إخواننا الكورد من ابناء إقليم كردستان وبين احد أبناء ذلك البلد الغريب، وبتدخلي وبتوفيقي بين الاثنين أنهيت المشكلة التي حصلت بينهما، وفي نهاية حديثي مع صديقي الكوردي رجوته أن ينهي الموضوع وأن كان ذلك الشخص من أبناء البلد الغريب هو المتجاوز، لان مثلنا في العراق يقول (ياغريب كن أديب) وأضفت إليه: وان كنت على حق، وافق على كلامي، وأضاف إليه أن هناك مثلاً في كردستان يقول (الحجر في مكانه ثقيل) وفعلاً نحن هنا خفاف، لسنا ثقالا كما لو كنا في بلدنا .

انتهى الأمر ولكني على الرغم من مرور خمس وثلاثين سنة على ذلك الموقف، وعلى سماعي لذلك المثل الكردي الجميل، وكلما أتأمل ما يدور ويحصل في بلدنا أتذكر ذلك المثل، فما مر وما يمر في بلادنا من أحداث وظروف دفعت بالكثير، وليس القليل من أبناء شعبنا على السفر المؤقت أو الهجرة المؤقتة، حتى إن فكر بأن يهاجر إلى الأبد، ما أن يجتاز الحدود ويعبر إلى الجهة أو البلد الآخر حتى يبدأ يحس بنفسه خفيفاً في بلد الغربة، وليس ثقيلاً كما هو الحال عليه في بلده ومدينته ومحلته وشارعه وبيته وماضيه وذكرياته وحاضره وأفراحه أو آلامه حتى يبدأ الحنين والبحث عن كل صغيرة أو كبيرة تخص بلده ويلعن الظروف والأيام والأسباب التي جعلته يغادر بلده وبيته، حتى ان كان من طين أو كوخ، لأنه كان ثقيلاً هناك، رافعاً انفه معتزاً بكبريائه وانتمائه إلى وطنه، ولكنه أصبح خفيفاً مرتبطاً مصيره ومستقبله بما تقرره دوائر الأمن أو المخابرات أو الإقامة، ورزقه يتوقف عليه وعلى قرارها ببقائه أو إقامته، وأن حصل على تصريح عمل أو موافقة، فهي لن تكون بدون نوع من الذل أو الامتهان، ولربما لمسؤولي تلك البلدان الحق، فهي تعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة لديها أيضاً، وابن البلد له الحق والأولوية في خيرات بلده .

 أعود إلى حكمة ومثل اخواننا الكورد، وارى انه يصلح لكل زمان ومكان، وفعلاً الإنسان ثقيل في مكانه أو بلاده، خفيف أن تغرب عنها، وكما يكون الحجر خفيفاً إن رفع من مكانه ويمكن ألقاؤه في أي مكان آخر، فإن الإنسان يكون خفيفاً إن غادر بلده، ويمكن ألقاؤه خارج حدود البلدان الأخرى … إلى مصير مجهول لا يعلمه إلا الله، لذلك أرى أن من الأفضل لأبنائنا العراقيين أن يبقوا ثقالاً في بلدهم، وأن لا يكونوا خفافاً خارجه، مهما كانت الظروف، هجرة البلد أو تركه أمر مرّ (أو علقم لم يحصل إلا لتفادي الأمرّ منه، أو هو الكي علاج من اعيى الاطباء) أما ترك البلد لأسباب واهية أو باطلة أو غير صحيحة أو غير ضرورية والرضا للنفس أن يقال له مهاجر أو لاجئ يستحق العطف والإحسان … إنها في نظري أقسى من الموت .

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا