اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

بولندا وفردوسها مدينة وارشو بين الماضي والحاضر

 

تسنح في حياة كل فرد فرص ما, وقد يكون اقتناص تلك الفرص يحقق له الحلم أو الهدف الذي يسعى إليه , ولم يكن حلمي في إكمال الدراسة والحصول على شهادة الدكتوراه ليتحقق إلا بعد أن توفرت عوامل عدة منها: إعفاء المدير العام من منصبه, الذي كان لا يسمح لي بالترشيح لأية بعثة أو لأية زمالة لجديتي في العمل المحاسبي وعملي بأمانة وبما يملي عليّ ضميري وواجبي, والذي كان له الأثر الكبير والواضح في نجاحه في إدارته – كما اعتقد – ولكنه كان يكنّ لي في الوقت نفسه الاحترام الكبير وهذا ما خفّف عليّ هم حرماني من إكمال دراسة الدكتوراه في حينه.

وتحقق حلمي الذي كنت أتمناه إذ منحت زمالات دراسية إلى جمهورية بولندا الشعبية (بولونيا كما كانت في ذلك الحين), وكانت هذه الفرصة ثمينة بالنسبة لي حققتها لي عدالة الوزير في منح الزمالات. 

سافرنا إلى بولندا للدراسة في أوائل السبعينيات, والتي كانت وما زالت تحكم على أساس النظام الشمولي الذي اتصفت به أنظمة الحكم في دول العالم الاشتراكي في تلك الحقبة من الزمن, وحال وصولنا إلى مدينة وارشو عاصمة بولندا استقبلني أنا وزوجتي صديق حميم, وأعلمني بأن سكرتير حزب العمل البولوني (الحزب الشيوعي البولوني) ادورد كيرك منذ تسلمه منصبه وهو يعمل جاهداً على اتخاذ قرارات مختلفة هدفها التخفيف من صرامة وجوه النظام الشمولي الذي كانت تتصف به في عقود من السنوات السابقة.وقد اصطحبني صديقي إلى جزء صغير بقي من مدينة وارشو القديمة التي أزاح معظمها الاحتلال النازي, وعلى الرغم مما أصاب مدينة وارشو من دمار وخراب أصر المعماريون البولونيون على إعادة اعمار مدينتهم الجميلة, وتصميمها تصميماً حديثـاً أثار إعجاب كل زائر لها, وكان البولونيون يفتخرون بتراثهم وعاصمتهم القديمة (وارشو) الجميلة جداً, إذ كانوا يقولون لمن يبدي إعجابه بمدينة وارشو الجديدة: إن وارشو القديمة كانت أبهى وأروع, اعتزازاً بتأريخهم العريق الذي كانت تنهض به مدينتهم القديمة, وهم في ما يبدونه لا يختلفون عن أصالة العراقيين في حبهم لعاصمتهم الحبيبة بغداد. و كتابتي لهذه السطور عن هذه المدينة تذكّرني بمقولة للدكتور علي الوردي, عن سر حبه لمدينة (وارشو) التي كانت له محطة استراحة واستجمام, فقد وصفها بأنها الفردوس الموعود, إذ كان فيها يقضي أيام عطلته الصيفية.

وفي أثناء سنوات الدراسة التي أمضينا فيها مدة السبع سنوات تعرفنا على بولونيا وشعبها وتأريخها وثقافتها من علم وأدب وتأريخ واقتصاد وعلوم أخرى, وكان البولونيون يفتخرون بعظمائهم ومنهم : كوبر نيكوس, ومدام كيري, وشوبان, واوسكار لابكه , وغيرهم الكثير.

وعند حصولي على شهادة الدكتوراه كانت العودة إلى بلدي العزيز صعبة من جهتين الأولى: أخذت بولندا تنهج منهج التغير الذي باشر به حزبهم الشيوعي وقيادته بزعامة ادورد كيرك, الذي بدوره سنح لقائد عمالي اخر وهو (ليخ فوانسا) بأن يطالب ويقود حركة التغيير الشامل في بولندا وكانت – في اعتقادي – بدايات التغيير في عالم المعسكر الاشتراكي, ولم ينجب العالم الاشتراكي غوربا شوف قائداً تحـريرياً الا بفضـل القـائـد العمالي ادورد كيرك وليخ فوانسـا, اما الجهـة الثانيـة: فقد كان الواجب عليّ تجاه وطني الحبيب العودة إليه, كونه يخوض حرباً جُرّ اليها جراً بسبب تسلط الدكتاتور, وما حاكته إسرائيل من شباك الشر, وما تهدفه مخابرات الأمريكان , فكان نداء الوطن والوفاء إليه أقوى من العزوف عنه والبقاء في بولندا أو اللجوء إلى غيرها.

مضت السنون وعراقنا الجريح يمر بحرب تلو حرب, وبأزمة تلو ازمة , ومن مشكلة إلى مشكلة أقسى منها, اما بولندا فلم ولن أنساها ابداً, وأتطلع إلى متابعة أخبارها وما حل فيها من تطور وازدهار واعمار ولطالما اتوق إلى زيارتها ولم تسنح لي الفرصة بذلك حتى سنحت لي في الشهر الأخير من سنة 2006, واني لم افاجأ عندما رأيتها مزهرة مزدهرة وازدادت جمالاً وفتنة وهذا ما اعتادت عليه عيناي بأن أراها دائماً مبتسمة جمالاً وعلماً وادباً,وقد أعلمني محدثي البولوني بشيء مهم بأن مدن بولونيا الأخرى شملها التطور ولاحها النور وإشعاعه ليغطي جميع مدنهم, ولكن الأهم طبعاً في رقي وعلو مستوى إنسانيتهم وعلى الرغم من قصر مدة الزيارة تحققت, وبفضل اجادتي اللغة البولونية وتحدثي طويلاً مع الكثير منهم وجدت ان التغيير زادهم علماً وادباً وثقافة كما وأنهم – كما هو معروف عنهم في علو مستوى كفاءتهم وإدارتهم في اعمالهم – زادت إنتاجيتهم وتحسنت كثيراً دخولهم واقتصادهم وعملتهم .

اعود إلى هدفي المهم من مقالتي هذا وادعو ربي ان يوفق الله عراقنا وشعبه وأن يكون التغيير الحاصل عاملاً في رقي شعبه علماً وادباً وثقافة, ولاشك في أن ذلك لا يحصل إن لم ينعم بأمان ووفاق واخاء شعبه جميعاً ليكون ذا اقتصاد متين وشعب ينعم برفاه مادي واجتماعي وتزداد بغداد عاصمتنا جمالاً وبهاءً.

إنه سميع مجيب الدعاء

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

     

»

اكتب تعليقا