اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

شرطي فــي الدماغ

 

 قبل البدء بتفاصيل خاطرتي هذه أعتذر مقدماً لجميع إخواننا في جهاز الشرطة بمختلف الانواع لمْا قاموا به من جهود وتضحيات يعجز الثناء لها القلم واللسان لكنني نويت كتابة خاطرة في موضوع مشابه لما دار في ندوة تلفزيونية حضرها بعض الادباء التي وصف فيها احدهم حالة الكثير من المسؤولين والمؤلفين والكتاب و التي قد تكون حالة جزء كبير من ابناء الشعب وبسبب ما عاناه لأربعة عقود مضت من كبت للحريات واهانة للكرامات ولاسيما ذوي الالباب لذلك وما زال الكثير جداً من الناس مفكرين ومسؤولين وأدباء وأساتذة ورجال أعمال وحتى أقل الناس معرفة حين يعمل ويفكر يتحاشى ويتجنب ويحاول أن يكون دائماً على الهامش من الاحداث او عدم إبداء الآراء في خضم الاعمال حتى لا يسأل ولا يُسأل لان ذلك قد يجره الى ما لا يحمد عقباه، وهكذا ما زال الكثير يعيش وكأن شرطياً او أمنياً أمامه او خلفه او يسترق السمع على حديثه اينما كان فيتجنب الدخول في قيل وقال وكفى المؤمنين شر القتال وحقيقة الامر كما سماها الاديب انها حالة ( شرطي في الدماغ ) .

 عندما كنت مسؤولاً لإحدى المؤسسات الحكومية وتعاقدت نيابة عنها مع مؤسسة مصرية لإجراء دورات تدريبية متقدمة في إدارة الاعمال وكان تمويل ذلك النشاط منحة من المؤسسة المصرية التي يديرها أستغرق فتح الحساب الجاري لإستلام المبالغ التي ستمول في أحد البنوك الحكومية ثلاثة أشهر من الزمان في حين لا يستغرق ذلك في أغلب دول الجوار وليس في دولة الولايات المتحدة الامريكية او الالمان او الطليان سوى ربع ساعة من الزمان، سألني الاخ المصري الجنسية العراقي الاصل ذو الاختصاص العالي المستوى بعلم إدارة الاعمال ومهنته، لماذا هذا التأخير ؟ لماذا هذا الروتين ؟ أجبته ضاحكاً : بأننا طالما أنتقدنا النظام السابق في مركزيته وبيروقراطيته التي كانت واضحة في أداء المؤسسات في تلك المرحلة، تعزز هذه الحال الالاف من القوانين والانظمة والتعليمات، فهي كانت أشبه بالمسامير التي لا يستطيع أن يسير عليها الا السحرة الهنود أو هي كالأبر التي لا يجيد استخدامها الا الاطباء الصينيون، واستمريت قائلاً له : لقد كانت الاحوال يمكن تشبيهها أيضاً بأن مسؤولينا كانوا مكبلي الايدي، فعندما تقطعت الحبال لم نجد هناك في مؤسساتنا من خفض اليدان وباشر بالعمل بالمعروف والاحسان وحل مشاكل الناس التي هي متراكمة كالأطنان، والتي كان ينبغي أن تبادر جميع دوائر الدولة بالعمل بعقل وفكر متفتح على الناس وتسهيل أمورهم بكل جرأة وسرعة وأمان وكان يجب عليها ان تعيد النظر في القوانين والانظمة والتعليمات بل هي لا هذا ولا ذاك تمسكت بالقوانين والانظمة والتعليمات لذلك النظام وغالباً ما اهملت ما هو ناجح ونافع وقدمتها للناس فأصبح الناس في حيرة من أمرهم . إن كان ذلك النظام وقوانينه قد استعبدت بني الانسان لمدة طويلة من الزمان، فما خطب مسؤولو هذا النظام لا يعيدوا النظر في كل قانون او نظام صدر في ذلك الزمان، لتخفف على الناس أعباء روتين تلك القوانين الفاسدة والمتعسفة كما يقال، ولا أطيل عليك يا صاح إذ لو استمريت بالحديث معك عن هذه الاحوال التي ينبغي أن ترافقها الاهات والحسرات لخرجت من عندي مجهشاً بالبكاء، سكت برهة وقال : هل ترغب في أن أروي لحضرتكم ما حدث في روسيا عندما غُير النظام ؟ لقد عانت مؤسسات الدولة والناس هذه الاحوال نفسها وضاق الجميع ذرعاً من الاستمرار بالعمل في قوانين وأنظمة ذلك النظام التي كانوا يشكون منها ايضاً قبل تغييرهم النظام، فماذا حصل ؟ شكلت الدولة لجنة عليا مهمتها دراسة القوانين والانظمة و التعليمات ( بتوع ) الخاصة بزمن السوفيات واقتراح ما يجب أن يجري للتخلص من ثقل وطأتها على الناس، وبعد قبل وقال واجتماع اللجان ودراسة الحال وما ينبغي أن يبقى او يحذف من قوانين وتعليمات، خرجت تلك اللجنة الضخمة بقرار ينص على الآتي :- (( ترى اللجنة أن ينفذ أي عمل لم يصدر به قانون أو أنظمة او تعليمات )) وعند التطبيق وجدوا انه لا يوجد أي عمل او نشاط لم يشمله السوفيت شموله بقانون او نظام او تعليمات، فكانت النتيجة كما كنت اورواح في المكان نفسه .

 فضحكت كثيراً على هذه المفارقة ودعوت الى الله أن يساعدنا على تحريك الايدي وخفظها حتى نستطيع ممارسة الاعمال كما تقتضي الاحوال ولكن لم يحصل ذلك حتى الان، وها أنذا اعود بعد أن سمعت ما قاله الاديب العراقي لأدعو الله ان يساعد على خفض الايدي وأن يخرج الشرطي من الدماغ .

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا