اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

الخصخصة ما لها وما عليها

 

أثارت عمليات تحويل المنشأت الاقتصادية التابعة للقطاع العام الى القطاع الخاص ( الخصخصة ) التي جرت في بلدان كثيرة من العالم وبشكل خاص في البلدان الاشتراكية سابقاً وبلدان العالم الثالث والعراق منها ايضاً الكثير من الجدل والحوارات التي تتبلور غالباً في جدواها ومدى ضرورتها لهذه البلدان وبأختصار وأذا ما أردنا التحدث عن هذه العملية الاقتصادية المستمرة منذ عقدين من الزمن إن توجه الكثير من دول العالم نحو أنشاء المنشآت الاقتصادية الحكومية الإنتاجية والخدمية لم يكن الا تطبيقاً للفكر الاقتصادي الاشتراكي الذي أنتهج في الدول الاوربية الاشتراكية أو على وفق الفكر الاقتصادي الكنزي الذي أنتهج في العالم الرأسمالي ( أي أمريكا وأوربا الغربية بشكل خاص ) أما دول العالم الثالث فقد سلكت هذا المنحى او ذاك في خططها الاقتصادية وبصورة أو أخرى كان القطاع العام ونشأته الاقتصادية هو الغالب عليها .

بعد النجاح الذي حققته المنشآت الاقتصادية التابعة للقطاع العام في بدايات النمو الاقتصادي والاشتراكي في جميع دول العالم بدأت تظهر عليه مظاهر الترهل والبيروقراطية والرتابة في العمل، الترهل في التوسع في النشاطات والشمول التي في جزء منها غير مجد وليس ذي مردود أما البيروقراطية منها فكانت تتمثل في تضخم إعداد مسؤوليها والعاملين فيها وظهور بطالة مقنعة تأكل من واردات تلك المنشآت جزءاً كبيراً دون جدوى، أما الرقابة فكانت في تأخر أتخاذ القرارات وتحمل أدارييها المسؤوليات ونهج العمل فيها نحو مركزية القرارات وتحمل شبكة ( او شرك ) القوانين والانظمة والتعليمات التي لها أول وليس لها أخر هذا فضلاً عن سلبيات وتغيرات ومشاكل كثيرة أدت الى هبوط كفايتها وأنتاجيتها من ذلك أكتسبت الدعوة الى الخصخصة شرعيتها وجدواها، لأن تحويل تلك المنشآت الفاشلة او التي لا كفاية لها ولا فائدة منها او تلك التي يمكن في حالة تحويلها الى القطاع الخاص ستتحول بفضل ما يتمتع به هذا القطاع من مزايا وصفات تساعده على اتخاذ القرارات بالدقة والسرعة المتميزتين فضلاً عن الحرص على المال الخاص يكون عند الفرد المستثمر أهم و أجدى كثيراً من الحرص على المال العام الذي فرطت به ادارات تلك المنشأت، من ذلك كله أصبحت الخصخصة لهذه المنشآت هو الدواء الشافي لحل مشاكلها الكثيرة وحسمت الكثير من الدول امرها وأتخذت قراراها بخصخصتها بعد دراسات واستشارات دقيقة وعميقة وحققت فيه نجاحاً كبيراً ان أهم ما يمكن تحديده من مزايا لعملية خصخصة منشآت القطاع العام هي الاتي  :-

أولاً / أسترداد رأس مال تلك المنشآت والذي أنفقت الدولة عليها من الاموال العامة مبلغاً كبيراً وعودته أيراداً لموازنة الدولة يخفف من عجزها ( أو يداوي بعض جراحها ) ويمكن أن توجهه نحو منشآت أقتصادية وأجتماعية .

ثانياً / زيادة أنتاجية وكفاية هذه المنشآت بما يحقق وفراً في السوق من سلعها وبضائعها المتخصصة فيها فيسد حاجة المواطن المستهلك ويقلل من استيراد السلع المشابهة وأستنزاف الموارد من العملات الاجنبية الصعبة .

ثالثاً / زيادة واردات موازنة الدولة مما تجبيه من ضرائب ورسوم على هذه المنشآت بعد تحويلها الى منشآت خاصة وبما يحقق زيادة أنتاجيتها وربحيتها .

رابعاً / التخلص من كل مساوء الفساد الاداري ومظاهره التي تسود غالباً المنشآت العامة لأسباب عديدة لا مجال لسردها في هذه الخاطرة المختصرة .

هذا وفي كل الاحوال لا يمكن الجزم دائماً بأن الخصخصة ستحقق المن والسلوى حال ممارستها بل ينبغي على الحكومات والشعوب التي تحصل في بلدانها تلك العملية أو تتوقع بعض السلبيات او المشاكل التي تقع أثنائها وهنا يمكن القول أن العبرة في كفاية عملية الخصخصة هو تفادي سلبياتها والعمل بحذر لتجنبها وتفاديها وليس الانتظار حتى تقع ومن ثم التفكير في كيفية تجنبها لذلك فأني سأركز على اهم ما يتوقع من سلبيات في عملية الخصخصة وسبل علاجها :-

1. أن يكون تقويم هذه المنشآت و موجوداتها لغرض بيعها بالأسعار الجارية وليس بالأسعار التاريخية وذلك حتى لا يبذر رأسمالها وتهدر قيمتها ولا شك أن ذلك يكون في الحالتين إن كان الوضع الاقتصادي متضخماً أم منكمشاً .

2. ان لا تكون خصخصة هذه المنشآت وبالاً على العاملين فيها ويسرح عمالها وتنهى خدمات أدارييها بل ينبغي معالجة هذه الحالة بكل حنكة وروية بحيث تستفيد الجهات التي ستمتلك هذه المنشآت من أفضل كوادرها وإداريها ولا غرو من أن تسرح من يفضل منهم ان تنهي خدماته فيها مع استلامه لكل حقوقه منها .

3. أن لا تكون عملية الخصخصة وسيلة للأثراء السريع فتقوم الجهات المالكة الجديدة بتصفيتها أو بيعها من أجل الحصول على فارق الأسعار منها والتخلص من أعبائها كما حصل لدينا في العراق في حالات مشابهة .

4. أن تكون هناك رقابة مستمرة على إنتاجية وكفاية المنشآت المخصخصة دائماً لتحقيق أهداف الخصخصة الاقتصادية والاجتماعية وليس أن تكون عملية القصد منها مجرد السير وراء المودة كما يحصل في كثير من الدول والذي نرجو من الله أن لا يكون كذلك في بلدنا العراق بل هي خطوة اقتصادية هامة على الطريق الصحيح نحو بناء اقتصاد مزدهر بعد اقتصاد مندثر .

هذا ما وددت أن أقوله في الخصخصة ولي عودة وعودة أخرى في تفصيلاتها وشؤونها المختلفة أن شاء الله .

 

أ. د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا