اهلا بكم
اهلا بكم
بحث في الموقع

البيه خير يسوي لنفسه خير

 

رحم الله جدتي الفاضله التي غمرتني بحنانها ورعايتها طيلة مدة دراستي في المرحلة المتوسطة ومنها تعلمت الكثير مما خبرته وعرفته من حياتها في هذه الدنيا الفانية وقبل أن أوضح ماجاء في عنوان مقالتي هذهِ وعلاقتها به لابد أن أذكر لحضرتك أيها القارئ بعضاً من حالات تشطارتها وكفاءتها ودقتها بالتعامل مع الأمور والأمثال الكثيرة جداً التي حفظتها , ومنها إني لازلت أتذكرعندما كنت أرافقها في التسوق تسأل البائع كم هو ثمن هذهِ الحاجه ياحاج فيجيبها بدينار , ولكنها لاتقتنع بالثمن وتعرف أنه مبالغ فيه كالعاده أو أنها تستطيع أن تقدر حقيقة الكلفه والثمن الصحيح لها , فتجيب عليه كلا أنه لايساوي أكثر من مائه فلس , وأتفاجأ أن البائع يرد عليها بالموافقه على السعر المقترح من قبلها , فهل كان مبالغاً في سعرهِ الى هذا الحد , أم أنه يعرف أنها تعرف السعر جيداً فلذلك يرفع السعر كثيراً لأنها ستخفضه كثيراً , ولكن المفاجأه الأكبر لي أنها تتراجع عن السعر الذي حددته والذي هو مائه فلس فترد عليه كلا لقد غلبتني أن ثمنه خسمون فلساً فقط ,أما المفاجأه الأكبر الأخرى فهي قبوله بالسعرالجديد الذي حددته وهو خمسون فلساً .

في أحد الأيام وعندما كنت صغيراً طلبت مني مصاحبتها لزيارة العتبات المقدسه في سامراء وكان الأنطلاق لهذه الزياره من مدينة الكاظمية وعند ذهابنا إليها من علاوي الحله لم يكن في الباص سوى مقعد واحد شاغر جلست هي فيه وجلست أنا في ممر الباص على كاره الأفرشه ( اليطغ كما يسميها العسكريون) التي جلبناها معنا , وعندما أتى جابي المصلحه لأستلام الأجور طلب منها دفع بطاقتين واحدة عنها وواحدة عني أجابته كلا أن ماتدفعه هو ثمن بطاقه واحده فقط لأن هذا الصغير جالس على كاره الأفرشه وفي الممر وليس على كرسي ففي هذهِ الحاله لاتدفع عنه أجره إلا إذا جلس على كرسي , وبين أصرار الجابي على دفع ثمن بطاقتين وأصرارها على الرفض نشب نقاشٌ حامٍ بين راكبي الباص نصف منهم مع الجابي لأن في ذلك مسؤوليه وقد يأتي مفتش المصلحه ويخضع للحساب أما النصف الآخر فيؤيد وجهه نظرها بأن هذا طفل صغير ولم يجلس على كرسي لذلك لاآجره عليه . لم ينته الجدل بين راكبي الباص حتى وصولنا مدينه الكاظمية ونزلنا منه من دون أن تدفع عني الأجرة .

أعود الى عنوان مقالتي هذه , حيث أنها ( رحمها الله) كانت تملك من الأمثال المئات إن لم تكن الالالف ولكنها حكم وتقولها في حاله أو حدث أو حديث مناسب , وماعلق في ذاكرتي على الرغم من مرور ستين عاماً على سماعي لهذا الذي هو عنوان خاطرتي وهو (البيه خير يسوي النفسه خير) حيث تردده عندما يرد الحديث عن شخص أستحوذ على منفعه لنفسه دون أخيه , أو شخص ما لايهتم إلا بنفسه دون غيره وغيرها الكثير من الحالات المشابهه فتعلق عليه بذلك المثل ( البيه خير يسوي النفسه خير)  , أتذكر مثلها هذا الجميل الذي توضح فيه أسباب الأنانية والأثره على الأنسانية والأيثار لدى بعض الأشخاص , وأن كانت حالات المثل قليله في ذلك الحين , أصبحت واسعه ومستشريه في هذا الحين , وبين ناس أصبحوا لايهمهم سوى أنفسهم في كل شيء حلال أم حرام وعدم أهتمامهم بأحوال قريب وبعيد , , ولكن مايثير العجب والأستغراب هو شيوع هذهِ الحاله السلبيه لدى الكثير من إداري ومسؤولي الدوله والحكومه في وقتنا الحاضر حيث هؤلاء (بعضهم وليس جلهم) لاهم لهم سوى مصلحتهم الخاصه بما أوكلوا عليه أو في الحقيقة ماأتمنوا عليه , بل هو يؤمن بذلك المثل ويعمل به وحيث أنه لايعلم كم سيبقى في هذا المنصب أو يدوم وبما أن العراق بستان محروق ((على حد قول أحد مسؤولي الحكم الملكي)) فتراه يباشر حال تسنمه موقعه في تحقيق ما ينفعه ويفيده أما المؤسسه وخدمتها وتطويرها لخدمه أبناء الشعب العظيم فهذا أمر لاعلاقه له به لأنه هو ليس رجلاً مناسباً في مكان مناسب وهو طالب ولايه كان ينبغي أن لايولى لذلك فهو يؤمن تماماً بالمثل الذي كانت تردده جدتي (( البيه خير يسوي لنفسه خير)).

 

أ.د. ماهر موسى العبيدي

أكاديمي عراقي

 

 

»

اكتب تعليقا